شخصيات وأعلام

الظاهر بيبرس أشهر حكام المماليك

الظاهر بيبرس

هو الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي، تولى السلطنة على مصر وسورية، وقد كان لقبه أبو الفتوح، وهو رابع سلاطين دولة المماليك والمؤسس الحقيقي للدولة، حيث بدأت حياته كمملوك يُباع ويُشترى في أسواق الشام وبغداد، حتى انتهى به الأمر إلى أن يصير واحدًا من أعظم السلاطين في التاريخ الإسلامي، وركن الدين هو اللقب الذي لقبه إياه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وبعد وصول بيبرس إلى السلطة لقَّب نفسه بلقب الملك الظاهر، وقد حقق الكثير من الانتصارات على جبهتي المغول والصليبيين، بداية من معركة المنصورة وعين جالوت، وحتى قضى على الإمارة الصليبية في إنطاكية إبان حكمه.

وقد حكم الظاهر بيبرس مصر بعد عودته من عين جالوت واغتيال سيف الدين قطز، وأُقيمت الخلافة العباسية من جديد في القاهرة خلال حكمه بعدما قام بالقضاء على المغول في بغداد، وقد قام بإنشاء النظم الإدارية الحديثة في الدولة، وقد كان مشهورًا بالذكاء على المستوى الدبلوماسي والعسكري، وقد كان له دورا بارزا في العمل على تغيير الخريطة العسكرية والسياسية في منطقة البحر المتوسط خلال فترة حكمه الطويلة التي امتدت نحو سبعة عشر عامًا وشهرين.

ونحن في هذا الموضوع الظاهر بيبرس أشهر حكام المماليك، نتعرض إلى بعض التفاصيل التاريخية حول شخصية الظاهر بيبرس وما كان يتمتع به من قدرات حربية ودبلوماسية وإدارية فائقة.

نشأته وأصله:

  • هناك اختلاف في أصله، فحين تذكر كل المصادر المملوكية الأصلية والعربية أنه تركي من القبجاق وهي دولة كازاخستان، فإن بعضًا من الباحثين المسلمين في هذا العصر يشيرون إلى أن المؤرخين من العصر المملوكي من مماليك وعرب كانوا يعدون الشركس من الترك، وأنهم كانوا يقومون بنسبة أي رقيق آتٍ من مناطق القوقاز والقرم إلى الترك، وقد ذكر المؤرخ المقريزي بأنه وصل إلى حماة مع أحد التجار وقد اشتراه الملك المنصور محمد والي حماة، غير أنه لم يعجبه فقام بإرجاعه.
  • فذهب التاجر به إلى أحد أسواق الرقيق في مدينة دمشق وهو في الرابعة عشر من عمره، وباعه التاجر هناك بثمان مئة درهم، غير أن الذي اشتراه قام بإرجاعه إلى التاجر؛ لوجود عيب خلقي في إحدى عينيه، حيث كان بها مياه بيضاء، فقام الأمير علاء الدين إيدكين البندقدار بشرائه، ثم قام بالانتقال بعد ذلك إلى خدمة السلطان نجم الدين أيوب في القاهرة، وقد أعتقه الملك الصالح، وقام بمنحه الإمارة فصار أميرًا.
  • وكان بيبرس موصوفًا بالطول والصوت الجهوري والعينان التي كان بها زرقة، وفي واحدة من عينيه نقطة بيضاء.

حملة لويس التاسع:

  • اشتهر الظاهر بيبرس حينما قاد جيش المماليك في معركة المنصورة ضد الصليبيين وكان ذلك سنة 647 هجريًّا، حيث هجم الفرنجة هجومًا مفاجئًا على الجيش المصري، الأمر الذي أدى إلى مقتل قائد الجيش فخر الدين بن الشيخ، وقد ارتبك الجيش وكاد أن ينكسر وينهزم؛ لولا تلك الخطة التي رتبها بيبرس أو المصيدة التي عملها للصليبيين في المنصورة.
  • وبموافقة من شجر الدر التي كانت تحكم البلاد بصورة فعلية في هذه الفترة بعد وفاة نجم الدين أيوب زوجها، فقد قاد بيبرس الهجوم المعاكس ضد الصليبيين، وقد تسبب في هزيمتهم الكبرى في مدينة المنصورة التي تم فيها أسر لويس التاسع ملك فرنسا، وتم حبسه في دار ابن لقمان.

قيام دولة المماليك:

  • بعد أن قُتِلَ توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب؛ قام المماليك بتنصيب شجر الدر سلطانة؛ لأنها تُعد أرملة الملك الصالح نجم الدين أيوب وأم ابنه خليل الذي تُوفي وهو صغير في السن، وقد طلبوا من الأمراء الأيوبيين في الشام أن يعترفوا بسلطنتها، ولكن الأمراء الأيوبيين في الشام رفضوا ذلك التنصيب؛ لأن معناه نهاية دولتهم في مصر.
  • وكذلك لم يوافق الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد، وقد اعترض على ولاية امرأة، فتسلم السلطنة من شجر الدر الأمير عز الدين أيبك، والذي تزوجها لكي يستطيع التمكن من الحكم، غير أن الأيوبيين لم يوافقوا كذلك على حكم عز الدين أيبك.
  • وتم إرسال جيش إلى مصر يقوده صاحب دمشق وحلب الناصر يوسف؛ لكي يحتلها ويحررها من المماليك، غير أن هزيمتهم تمت أمام المماليك، وهربوا إلى الشام؛ الأمر الذي زاد من تمكين المماليك وتثبيتهم على عرش مصر.

صراع المماليك فيما بينهم:

  • بعد أن استتب الأمر لحكم المماليك في مصر بقيادة عز الدين أيبك، بدأ أمر الأمير أقطاي في الاستفحال، وقد شعر السلطان عز الدين أيبك بالمزيد من النفوذ للأمير أقطاي، وبالخصوص بعد أن طلب من أيبك أن يقوم بإفراد مكان خاص له في قلعة الجبل؛ لكي يسكن فيه مع عروس.
  • فقام أيبك بقتل أقطاي بمعاونة قطز والمماليك المعزية، فقام باستدراجه إلى قلعة الجبل وتم هناك الاغتيال، وقد ألقى برأسه إلى المماليك البحرية الذين تجمعوا تحت القلعة وهم يطالبون بالإفراج عنه؛ فهرب المماليك البحرية من مصر إلى سورية والكرك وأماكن أخرى، وكان في مقدمة هؤلاء: بيبرس وقلاوون الألفي وسنقر الأشقر وبلبان الرشيدي الذين فروا إلى مدينة دمشق.

بيبرس ومعركة عين جالوت:

  • رجع بيبرس إلى مصر مرة أخرى بعد أن قام سيف الدين قطز بتوليته منصب الوزارة في سنة 658 هجريًّا؛ لكي يشتركا معًا في حرب المغول الذين كانوا في الطريق إلى اجتياح مصر بعد أن اجتاحوا العراق وأسقطوا عاصمة الخلافة العباسية في بغداد، وقد قام هولاكو بإرسال الرسل إلى قطز وهم يحملون رسائل التهديد والوعيد إن لم يسلِّموا ويخضعوا لحكمه.
  • فقام سيف الدين قطز بعقد اجتماع مع كبار رجال الدولة وعلمائها، وقد تم الاتفاق على مقاتلة المغول؛ حيث لا مجال للمداهنة، وقد اختلى قطز ببيبرس الذي كان أمير الأمراء وقد استشاره في هذا الموضوع، فأشار عليه بيبرس بقتل الرسل والذهاب إلى الحرب فإما النصر وإما الشهادة.
  • فوافق قطز على رأي بيبرس واستصوبه، وقام بقتل هؤلاء الرسل الذين أرسلهم المغول، ثم بعدها تحرك الجيش للمواجهة الحاسمة، وقام قطز بعمل تقسيم لجيشه إلى مقدمة يقودها بيبرس، وبقية الجيش يختفي بين التلال وفي الوديان كقوات للدعم، أو لكي يقوموا بتنفيذ هجوم معاكس.
  • وفي عام 658 هجريًّا بدأت المعركة وقامت المقدمة بقيادة بيبرس بهجوم قوي وسريع، ثم انسحبت وهي تتظاهر بالانهزام؛ لكي ينسحب وراءها خيالة المغول إلى الكمين المنصوب، وانطلت تلك الحيلة على كتبغا، فحمل بكل قوته على مقدمة الجيش وقام باختراقه، وقد بدأت المقدمة في التراجع بداخل الكمين.
  • وفي هذه الأثناء قام قطز بالخروج هو وبقية مشاة وفرسان الجيش، وقاموا بتطويق قوات كتبغا، وحينئذ اشتد القتال، ولم يمض كثير وقت حتى انهزم الجيش المغولي، وقد قُتِل أكثرهم بمن فيهم القائد كتبغا، وقد لاحق بيبرس وقطز فلول التتار، وطهروا بلاد الشام منهم في غضون أسابيع، وقد عادت بلاد الشام من جديد إلى أهل الإسلام، وفُتِحَت دمشق وتم الإعلان بتوحيد مصر والشام مرة أخرى تحت زعامة سيف الدين قطز.

تولي بيبرس السلطة بعد اغتيال قطز:

  • بعد أن تم اغتيال سيف الدين قطز تولى الظاهر بيبرس الحكم، ونهض بالبلاد نهضة كبيرة، وقد شهد عهده نهضة معمارية كبرى، حيث عمل على الاهتمام بتجديد الجامع الأزهر، فعاد للأزهر رونقه من جديد، وأعاد كذلك خطبة الجمعة والدراسة إلى الأزهر بعد أن تم هجره طويلًا، وقام بنصب أربع قضاة شرعيين كل واحد منهم يمثل مذهبًا من مذاهب السنة الأربعة، وذلك بعد أن كان القضاء يقتصر على قاض شافعي فقط.
  • وقد عمل على إنشاء الكثير من المؤسسات التعليمية، وقد أنشأ العديد من المدارس في مصر ودمشق، كما أنه أنشأ مسجدًا عُرِف باسمه حتى اليوم في القاهرة، وهو جامع الظاهر بيبرس، والذي لا زال قائمًا حتى يوم الناس هذا، كما قام بيبرس بإنشاء الجسور والقناطر والأسور، وقام بحفر الترع والخلجان، وجاهد الصليبيين والتتار جهادًا كبيرًا، وكانت أعماله تُقابل بحفاوة شديدة.
  • وقد تُوُفي رحمه الله سنة 676 هجريًّا وعمره 54 سنة، وذلك بعد أن عاد من إحدى المعارك مع المغول، وقد دُفِنَ في المكتبة الظاهرية في مدينة دمشق بعد حكم ظل لمدة سبعة عشر عامًا.
قوة سيف الظاهر بيبرس
قوة سيف الظاهر بيبرس
من أشهر المساجد في مصر
من أشهر المساجد في مصر
مسجد الظاهر بيبرس
مسجد الظاهر بيبرس
ملك تهابه الأعداء
ملك تهابه الأعداء
قوة بطش الظاهر بيبرس
قوة بطش الظاهر بيبرس

كان هذا ختام موضوعنا حول الظاهر بيبرس أشهر حكام المماليك، قدمنا خلال هذه المقالة بعض المعلومات التاريخية المهمة عن الظاهر بيبرس أحد أشهر الحكام في التاريخ الإسلامي قاطبة، وله دور كبير في قلب خارطة المنطقة عسكريًّا ودبلوماسيًّا وإداريًّا، فقد كان عبقريا في نواح عديدة، وكان رحمه الله على درجة عالية من الذكاء الذي مكَّنه من القيام بكل تلك الأعمال من حروب وجهاد وبناء وإعمار وإنشاء للمؤسسات التعليمية، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي قام بها هذا القائد العملاق الكبير الظاهر بيبرس، رحمه الله رحمة واسعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى