إسلاميات

في أي قوم بدأ الغلو في الصالحين وعبادتهم ؟

“في أي قوم بدأ الغلو في الصالحين وعبادتهم ؟” .. في عمق الزمان وتحت ظلال الإيمان، وُلدت قصة تتناقلها الأجيال، تروي حكاية قوم انطلقوا في طريق الدين والتقوى، لكنهم سرعان ما ضلوا طريقهم وانغمسوا في أعماق الغموض والتعصب. هذه قصة غريبة، قصة تحكي عن كيفية تحول الولاء والإخلاص إلى جمود ديني، وكيف استبدلت العبادة الصافية بأشكال مريبة من العبادة المنحرفة. إنها قصة الغلو في الصالحين وعبادتهم، قصة نجوم ضيئة أخذت تلمع في السماء الدينية، ثم انطفأت ببطء وتحولت إلى أصول داكنة ومريبة.

ما هو الغلو في الصالحين

الغلو في الصالحين يشير إلى تجاوز الحدود في حب وتقدير الصالحين إلى درجة تجعلهم يُعبَدون أو يُعتقد أن لديهم صفات خاصة مثل معرفة الغيب. يُظهر الأشخاص المتأثرون بالغلو في الصالحين قناعة بأن هؤلاء الصالحين لهم القدرة على منح النفع والخير وأنهم يمكنهم تحقيقها بدون الله. هذا النوع من الغلو يعد وسيلة للشرك بالله، حيث يتجاوز العبد الحد الذي وضعه الله ويضع الصالحين في مكانة تفوق شريعة الله.

من الأمثلة على ذلك قوم سيدنا نوح عليه السلام، حيث تعرضوا لعذاب شديد بسبب غلوهم في الصالحين وتجاوزهم الحدود المحددة في الدين. وقد ورد في القرآن الكريم ذكر قوم نوح وأسماء الصالحين الذين انتسبوا إليهم، وقاموا بتسمية المجالس بأسمائهم واعتقدوا أنهم آلهة يجب عبادتها.

إن فهم الغلو في الصالحين يساعد في تجنب الشرك والابتعاد عن التجاوز في حب الصالحين بما يتعارض مع تعاليم الإسلام وشريعته.

قد يهمك ايضاً : أتدري من يزيل الهم والحزن والغم؟

هل حذر النبي محمد من الغلو فيه

نعم، حذر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمته من الغلو في مدحه وتقديره. وهذا يتضح من حديث صحيح نقله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ” (رواه البخاري ومسلم).

في هذا الحديث، نجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحذر أتباعه من تجاوز الحدود في مدحه وتقديره، ويوضح لهم أنه مجرد عبد لله، وأن الشكل السليم للتعبد والتقدير هو أن يكونوا يعبدون الله ويرسوله فقط.

بهذا، النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على التوحيد ويحذر من الشرك والغلو في الصالحين، مما يظهر وضوحًا أهمية تحقيق التوازن في التعبد والتقدير والاحترام للأنبياء والرسل والصالحين دون أن يتجاوز هذا التقدير الحد الذي وضعته الشريعة.

في أي قوم بدأ الغلو في الصالحين وعبادتهم ؟

بدأ الغلو بالصالحين وعبادتهم في قوم نوح عليه السلام. فأرسل الله تعالى نبيه نوح عليه السلام إلى هذا القوم، حاملاً رسالة التوحيد ودعوتهم لعبادة الله وحده، مُحذرًا من الشرك والاشتراك في العبادة مع الأصنام والطغاة ومتبعي الشهوات. ولكن للأسف، لم يكن هذا الأسلوب ناجحًا مع هذا القوم، بل على العكس، زاد عنادهم وتمردوا.

كانوا يظهرون عداءًا واستهزاءًا تجاه نبي الله نوح عليه السلام بشكل أكثر من غيرهم. وقد واصل نوح عليه السلام دعوته لمدة طويلة، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم: “فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ” (هود: 32).

ولكن لم يؤمن به إلا قلة قليلة من الناس، وعندما فقد الأمل في توبتهم وعودتهم إلى الله، دعاهم نوح عليه السلام للعودة إلى الله تعالى. وقد قال الله في القرآن الكريم: “وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ” (الصافات: 75-76).

قد يهمك ايضاً : ادعية الانبياء والصالحين

هل يجوز الغلو في الصحابه

بالطبع، لا يجوز الغلو في الصحابة أو الأنبياء أو الصالحين في الإسلام. يجب على المسلمين الاحترام والتقدير لهؤلاء الشخصيات الرمزية في التاريخ الإسلامي والإسلام نفسه. إن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- نبَّه المسلمين بوضوح على عدم التجاوز في حبه واتباعه إلى درجة الإفراط كما فعل النصارى مع السيد المسيح. ينبغي للمسلمين أن يحترموا هذا التوجيه ويمتنعوا عن الغلو.

الغلو في الصحابة أو الأنبياء أو الصالحين يعد نوعًا من أنواع الشرك، وهو محظور بشدة في الإسلام. يتعين على المسلمين أن يتجنبوا هذا النوع من الشرك وأن يلتزموا بتعاليم الإسلام وتوحيد الله. يُذكر هذا الأمر بوضوح في القرآن الكريم في سورة التوبة، بقوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم:

“وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ”.

من صور الغلو في الصالحين الترحم عليهم

الترحم على الصالحين لا يُعتبر غلوًا في الصالحين على الإطلاق. الترحم يشمل الدعاء للصالحين والصالحات بالرحمة والمغفرة، وهو عمل مشروع في الإسلام. الأولياء والصالحين الذين هم من المسلمين يستحقون الترحم والدعاء لهم.

من الناحية الأخرى، الغلو في الصالحين يتجلى في الأمور التي يمكن أن تشمل:

  1. تشييد القبور بما يفوق الحد الشرعي، وزينتها بشكل مبالغ فيه، مما يمكن أن يؤدي إلى العبادة في المكان بدلاً من الله.
  2. إقامة مناسبات دينية بأسماء الصالحين مثل يوم الميلاد أو يوم الوفاة، مما يمكن أن يتسبب في التعبد لهم بدلاً من الله.
  3. تمجيد الصالحين بمستوى يفوق التقدير المشروع، مما يمكن أن يؤدي إلى الانحراف في العقيدة.
  4. نشر الأحاديث الباطلة التي تزعم وجود معجزات للصالحين بدلاً من الاعتماد على الأحاديث الصحيحة.
  5. تجسيد الصالحين في تماثيل أو صور، مما يمكن أن يؤدي إلى العبادة لهذه التماثيل.
  6. الاعتقاد بأن الصالحين لديهم القدرة على التدخل في مصائر الناس بدلاً من الله.
  7. طلب المساعدة والدعاء من الصالحين في الأمور الدنيوية دون الاعتماد الأساسي على الله.
  8. استخدام أضرحة الصالحين كوسيلة للشفاء بدلاً من الاعتماد على العلاج الطبي.

إذاً، الترحم على الصالحين هو عمل مشروع في الإسلام، ولكن الغلو في الصالحين يتضمن تجاوز الحدود المشروعة والتعبد لهم بدلاً من الله.

في الختام، يجب أن نتذكر دائمًا أهمية الاعتدال في الإيمان والتقدير. الغلو في الصالحين أو في أي شيء آخر يمكن أن يؤدي إلى الانحراف عن مبادئ الإسلام ويعرقل الطريق نحو التوحيد والتقرب من الله. النبي محمد صلى الله عليه وسلم حذر من الغلو في مدحه، وذلك لأنه كان عبدًا لله ورسوله.

قد يهمك ايضاً : أذكار الصالحين من أدعية الصحابة

عبد العاطي سيد

تخرجت من كلية التجارة جامعة عين شمس عام وأعمل ككاتب مقالات مهتم بالكتابة في العديد من المجالات مثل الاقتصاد والترفيه والتكنولوجيا والصحة. لقد نشرت لي العديد من المقالات عبر المنصات الإلكترونية المختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى