إسلاميات

صحيح البخاري وسيرة جامعه محمد بن إسماعيل

صحيح البخاري

البخاري هو أحد أشهر علماء الإسلام الذين جمعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جمع عددًا من الأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه المشهور: صحيح البخاري، وطار هذا الكتاب في الآفاق وتلقاه علماء الأمة بالقبول، وجعلوا يباركون ما فيه، فلم يحصل خلاف فيما ورد في صحيح البخاري إلا في بعض الأمور اليسيرة جدًّا والمؤاخذات العلمية النادرة، فكان هذا الكتاب أعظم الكتب في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونحن في هذا الموضوع صحيح البخاري وسيرة جامعه محمد بن إسماعيل، نتعرض إلى ملامح من سيرة محمد بن إسماعيل البخاري، ونعرض طرفًا من ثناء العلماء وإشادتهم على البخاري وعلى صحيحه الذي ملأ الدنيا علمًا وفقهًا وديانة.

اسمه ونشأته:

هو أبو عبد الله بن أبي الحسن، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه، الجعفي مولاهم، البخاري.

فأما نسبة الجعفي فنسبة إلى يمان الجعفي وهو رجل أسلم على يديه المغيرة الذي هو جد البخاري، وأما البخاري فتُنسب إلى بخارى وهي مدينة تقع في بلاد ما وراء النهر، وهي توجد الآن في الناحية الغربية من أوزبكستان.

وقد وُلِدَ البخاري يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة؛ وُلِدَ لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال، عام 194 هجريًّا، بمدينة بخارى، وقد مات والده وهو صغير السن، فنشأ البخاري في حجر أمه، وكان والده ترك مالًا كان سببًا في إعانة أمه على أن تنشئه وتربيه تربية كريمة، وقال والده قبل وفاته: لا أعلم في مالي درهمًا من حرام ولا شبهة. ولعل هذا ما يفسر شيئًا من البركة التي كانت في عمل محمد بن إسماعيل البخاري للإسلام، فقد كان والده من الورِعين الذين لا يتكسبون المال إلا بالحلال المحض دون شبهة حرام.

طلبه للعلم:

لقد ظهر النبوغ العلمي الشديد للبخاري وهو في عمر مبكر، وهو ابن عشرة أعوام، فشرع يطلب العلم بموطنه في بلدة بخارى قبل أن يرحل منها، وقد حفظ كتب علماء الإسلام من أمثال ابن المبارك ووكيع وهو في سن السادسة عشرة من عمره.

ولقد سُئل الإمام البخاري: كيف كان بَدْءُ أمرِكَ؟ قال: “أُلْهِمْتُ حِفظَ الحديث وأنا في الكُتَّاب، فقيل: كم كان سِنُّك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، فلمَّا طعنتُ في ست عشرةَ سنة، كنتُ قد حفظتُ كُتب ابن المبارك ووكيع، وعرفتُ كلام هؤلاء، ثمَّ خرجتُ مع أمِّي وأخي إلى مكةَ، فلمَّا حَججتُ رجع أخي بها، وتخلَّفتُ في طلب الحديث.

وكان ذلك أول رحلاته، ثم بعدها رحل إلى المدينة والشام ومصر ونيسابور والجزيرة وبلدان كثيرة.

شيوخ البخاري وتلامذته:

بعد تلك الرحلات الكثيرة لا ينبغي أن نستغرب قول البخاري قبل وفاته بشهر: كتبت عن ألف وثمانين نفسًا. لقد ابتدأ بالسماع من شيوخه في بلدة بخارى.

وقد أخذ خلق كثير من التلاميذ عن الإمام البخاري، فكان يجتمع له في مدينة بغداد فقط أكثر من عشرين ألفًا كلهم يكتبون عنه.

وكان بين يديه ثلاثة من المستملين، وسمع منه صحيحه ما يداني من تسعين ألف إنسان.

ومن تلامذته المشهورين الذين أخذوا عنه؛ الإمام مسلم بن الحجاج وهو صاحب الصحيح، صحيح مسلم، وكذلك الإمام الترمذي، صاحب الجامع، وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم وابن خزيمة وغير هؤلاء كثير.

عبادة البخاري:

كان البخاري من العباد الزهاد، وكان يجتمع إليه أصحابه إذا كانت أولى ليالي رمضان يجتمع إليه هؤلاء الأصحاب ليصلي بهم، وكان يقرأ في كل ركعة عشرين آية، وهكذا إلى أن يختم القرآن الكريم.

وكان في السَّحَر يقرأ ما بين النصف إلى الثلث من القرآن الكريم، فيختم القرآن الكريم عند السحر في كل ثلاث ليال.

انظر أيضًا: أحاديث نبوية

قالوا عن البخاري:

قال عمرو بن عليّ الفلاس: “حديثٌ لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث”.

قال إسحاق بن راهويه: “اكتبوا عن هذا الشاب – يعني البخاري – فلو كان في زمن الحَسَنِ لاحتاج إليه الناس؛ لمعرفته بالحديث وفقهه”.

ذُكِرَ قَوْلُ البخاري لعليّ بن المديني – يعني قولَه: “ما استصغرتُ نفسي إلا بين يدي عليّ بن المديني” – فقال عليّ: “دَعُوا هذا، فإنَّ محمد بن إسماعيل لم يرَ مِثْل نفسه”.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نُمير: “ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل”.

وقال أبو عيسى الترمذي: “لم أرَ بالعراق، ولا بخراسان في معنى العِلل، والتاريخ، ومعرفة الأسانيد أَعْلَم من محمد بن إسماعيل”.

وقال نعيم بن حمَّاد، ويعقوب بن إبراهيم الدروقي: “محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأُمة”.

وجاء “مسلم” إلى البخاري، فقال: “دَعْني أُقبِّلْ رجلَيك يا أستاذ الأستاذين، وسيِّد المحدِّثين، وطبيب الحديث في عِلَلِهِ”.

 

وقال ابن خزيمة: “ما رأيتُ تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأحفظ له من محمد بن إسماعيل”.

وقال “مسلم” أيضًا: “لا يبغضك إلا حاسدٌ، وأشهد أنَّه ليس في الدنيا مثلك”.

وقال أحمد بن حنبل: “ما أخرجتْ خراسان مثل محمد بن إسماعيل”.

وقال عبدالله بن سعيد بن جعفر: “سمعتُ العلماء بالبصرة يقولون: ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح.

وقال الحافظ ابن كثير: “هو إمام أهل الحديث في زمانه، والمقْتَدَى به في أوانه، والمقدَّم على سائر أضرابه وأقرانه”، وقال: “وقد كان البخاري – رحمه الله – في غاية الحياء، والشجاعة، والسَّخاء، والوَرَع، والزُّهد في الدنيا دار الفناء، والرَّغبة في الآخرة دار البقاء”.

مؤلفات البخاري:

أهم كتب البخاري على الإطلاق هو كتابه الجامع الصحيح.

وله كتب أخرى عديدة، مثل: الجامع الصغير والجامع الكبير والأدب المفرد وأسامي الصحابة والأشربة وكتب التاريخ: الكبير والأوسط والصغير والتفسير الكبير وخلق أفعال العباد ورفع اليدين في الصلاة والضعفاء الصغير، والعلل، والفوائد، والقراءة خلف الإمام وقضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، والكُنَى، والمبسوط، والمسند الكبير.

صحيح البخاري:

يرجع سبب تأليف البخاري رحمه الله صحيحه، أن إسحاق بن راهويه قال في مجلس قد حضر فيه البخاري: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فوقع ذلك الكلام موقعه فيث قلب البخاري وأخذ في جمع الصحيح.

وهذا يدل على كبير همة الإمام البخاري، حيث إن هذه الكلمة أخذت منه مكانها اللائق وجعلته ينبعث على هذا العمل الجاد الدؤوب ويستغرق في تأليفه، وسُمِّي الكتاب باسم الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه.

ولما خرج هذا الكتاب إلى الناس طار في الآفاق واشتُهر شهرة واسعة، فتلقاه الناس بالقبول وانتشرت نسخ الكتاب في الأمصار، وقد عكف الناس والعلماء على حفظه ودراسته والعناية به وشرحه وتلخيصه، وقد فرح به علماء الإسلام فرحًا شديدًا.

فقه البخاري في صحيحه:

أراد البخاري أن يُبرز في الجامع الصحيح فقه الحديث الصحيح وأراد استنباط الفوائد من ذلك، وجعل تلك الفوائد التي استنبطها من الحديث عناوين للكتاب، لذا فإنك تجده يذكر متن الحديث دون إسناد، وقد يحذف من أول الإسناد واحد أو أكثر، وهذا ما يُعرف بالتعليق، وربما كرر الحديث في عدة مواضع من الكتاب، يشير في كل موضع من تلك المواضع إلى الفوائد المستنبطة من الحديث، وغير ذلك من الفقه الذي كان يتمتع به البخاري، والذي نفع الله تعالى بكتابه الأمة نفعًا عظيمًا.

وقد بلغت أحاديث صحيح البخاري بالأحاديث المكررة سوى المعلقات والمتابعات 7593 حديثًا، تبعًا لترقيم محمد فؤاد عبد الباقي لأحاديث البخاري، ويرى ابن حجر العسقلاني أن عدة أحاديث البخاري 7397 حديثًا، ويوجد في البخاري أحاديث معلقة، وعدتها تبلغ 1341 حديثًا، وتبلغ عدد أحاديث البخاري المتصلة مع حذف المكررات حوالي 4000 حديث.

ويوجد فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني وهو من أجلِّ شروحات البخاري.

انظر أيضًا: أحاديث الرسول

صور صحيح البخاري:

الإمام البخاري
الإمام البخاري
مولد البخاري
مولد البخاري
صورة من صحيح البخاري
صورة من صحيح البخاري
كتاب مختصر عن الصحيح
كتاب مختصر عن الصحيح
رحلات البخاري
رحلات البخاري

كان هذا ختام موضوعنا حول صحيح البخاري وسيرة جامعه محمد بن إسماعيل، قدمنا خلال هذه المقالة بعض الملامح من سيرة محمد بن إسماعيل البخاري الإمام الكبير صاحب الجامع الصحيح، هذا الكتاب الذي يتفاخر به علماء الإسلام في دقته وضبطه وإتقانه، فخرج كآية من الآيات على عظيم النباهة وعلى عظيم الدقة وقوة الملكة وقوة الحفظ التي كان يتمتع بها البخاري، وقد استعرضنا ملامح من فقه البخاري رحمه الله في صحيحه، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يحافظون على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى