إسلاميات

سكرات الموت وشدته في ضوء الكتاب والسنة

سكرات الموت وشدته

هذه الزفرات التي تخرج والحشرجات التي تتابع والأنفاس التي تضطرب اضطرابًا، هذا أوان نزع الروح، إنه وقت مؤلم شديد، لا يعلم شدته إلا من يعانيه، آلام تنوء بالعصبة أولي القوة، تتلاشى عند تلك الآلام كل اللذات في هذه الحياة، تُنسى كل المُتع، وتهون أمام هذه اللحظة كل عذاب الحياة ومصائبها، إنه كأس الموت الذي يشربه كل إنسان على ظهر هذه الأرض، هذا الهول الشديد الذي نسأل الله تعالى أن يهونه على عباده.

ونحن في هذا الموضوع سكرات الموت وشدته في ضوء الكتاب والسنة، نتعرض حول المعلومات الواردة بشأن سكرات الموت من الكتاب والسنة وأقوال الصالحين.

سكرات الموت من الكتاب العزيز:

إن الله تعالى سمى هذه الشدة وهذا الألم الذي يعانيه كل إنسان عند نزع الروح منه، سمى الله ذلك بالسكرات، وسكرات جمع سكرة، وهي الشدة التي تغمر المحتضر ويستغرق فيها ويذهب عقله بها حيث يذهل عن كل شيء.

وقد قال الله تعالى: { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} (ق:18).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن معنى هذه الآية: جاءت بما بعد الموت من ثواب وعقاب، وهو الحق الذي أخبرت به الرسل، ليس مراده أنها جاءت بالحق الذي هو الموت؛ فإن هذا مشهور لم ينازع فيه، ولم يقل أحد: إن الموت باطل حتى يقال جاءت بالحق.

وأيضًا قوله تعالى:{كل نفس ذائقة الموت}(آل عمران:185) وهذا يدلنا على أن كل مخلوق في هذا الكون سيذوق من كأس الموت.

وأيضًا في سورة الأنعام قوله تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} (الأنعام:93).

وهنا نجد وصفًا بصورة تفصيلية لتلك اللحظات التي تُنتزع فيها أرواح الكفار ويتبين فيها شدة ما يلاقي الكفار من الفظائع والكروب.

سكرات الموت من السنة المطهرة:

حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم وصَّف هذه السكرات توصيفًا دقيقًا، فقال عليه الصلاة والسلام: (وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرّق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض) رواه أحمد.

ولا بد من بيان مسألة مهمة وهي أن الأصل في احتضار الكفار هو الشدة، والأصل في احتضار المؤمنين هو اليسر، ويُستثنى من ذلك الأصل أن تحصل تلك الشدة في انتزاع الروح للمؤمن كتكفير للسيئات، أو تعظيم للدرجات وإعلاء للمكانة، كقول زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إذا بقي على المؤمن من ذنوبه شيء لم يبلغه بعمله، شُدد عليه الموت ليبلغ بسكرات الموت وشدائده درجته من الجنة”.

وفي ضوء تقريرنا السابق، يمكن لنا أن نفسهم ما ورد في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم حيث تروي لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تلك اللحظات فتقول: “إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه ركوة – أي علبة فيها ماء-فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه، ويقول: (لا إله إلا الله، إن للموت سكرات) رواه البخاري.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرب أبتاه، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (لا كرب على أبيك بعد اليوم، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا، الموافاة يوم القيامة) رواه ابن ماجة.

وصف الصالحين لسكرات الموت:

جاء في تراجم الصالحين وصفٌ لسكرات الموت وشدته، وقد قال كعب الأحبار: “إن الموت كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل، وأخذت كل شوكة بعرق، ثم جذبه رجل شديد الجذب، فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى”.

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: كان أبي كثيراً ما يقول: إني لأعجب من الرجل الذي ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه، فكيف لا يصفه؟ ثم نزل به الموت ومعه عقله ولسانه، فقلت: يا أبت، قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟، فقال: يا بني، الموت أعظم من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئاً، والله كأن على كتفي جبل رضوى، وكأن روحي تخرج من ثقب إبرة، وكأن في جوفي شوكة عوسج –نباتٌ كثير الشوك-، وكأن السماء أطبقت على الأرض، وأنا بينهما”

و حضرت أبا بكر – رضي الله عنه – الوفاة، أنشدت عائشة رضي الله عنها: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى … إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: “لا تقولي ذلك، ولكنه كما قال الله عز وجل: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} (ق:18).

وعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: “الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمنين، والموت أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، وغلي في القدور، ولو أن الميت نُشر، فأخبر أهل الدنيا بألم الموت، ما انتفعوا بعيش، ولا لذّوا بنوم”.

موعظة عن الموت
موعظة عن الموت
الموت
الموت
كل شيء لله
كل شيء لله

كان هذا ختام موضوعنا حول سكرات الموت وشدته في ضوء الكتاب والسنة، قدمنا خلال هذه المقالة بعض المعلومات حول سكرات الموت والتي استفدناها من الكتاب والسنة، وقد سمى الله تعالى شدة الموت وشدة انتزاع الروح بالسكرات، حيث يذهل العقل ويذهب بما يلاقي من هول عظيم في هذه السكرات، والأصل أن هذه السكرات تكون شديدة على الكافر يسيرة على المؤمن، وقد يُستثنى من ذلك بالنسبة للمؤمنين أن تشتد على بعضهم تكفيرًا لذنوبه أو إعلاءً لدرجته ومنزلته أو تعظيمًا لشأنه عند الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى