القبائل العربية

قبيلة المغاورة: أصولها العربية وتواجدها في مصر

تُعد قبيلة المغاورة إحدى القبائل العربية الأصيلة ذات الحضور التاريخي والاجتماعي البارز في مصر. يتميز أفراد هذه القبيلة بنمط عيشهم البدوي الرعوي، وتواجدهم في مناطق جغرافية محددة، وقد لعبوا أدواراً مهمة في تاريخ المنطقة. يهدف هذا التقرير إلى استكشاف أصول قبيلة المغاورة ونسبها، وتحديد مناطق انتشارها، وتسليط الضوء على دورها التاريخي والاجتماعي في مصر.

الأصول والنسب: المغاورة كجزء من القبائل العربية

تُصنف قبيلة المغاورة ضمن القبائل العربية في مصر، وتُعد جزءاً لا يتجزأ من قبائل أولاد علي، التي تُعد بدورها فرعاً من قبيلة بني سليم المعروفة. يعود نسب قبيلة بني سليم إلى سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، مما يجعلها قبيلة عدنانية مضرية عريقة. تُعرف بني سليم بأنها من أوسع بطون مضر وأكثرها عدداً، ولها انتشار واسع في الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، بما في ذلك مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.

تشير بعض المصادر أيضاً إلى أن المغاورة هم من قبيلة لام. وقبيلة بني لام هي قبيلة طائية قحطانية، تُعتبر واحدة من أكبر القبائل العربية الأصيلة والمنتشرة في شتى الأماكن، وقد حكمت نجد حتى منتصف القرن العاشر الهجري. هذا التداخل في الأنساب قد يعكس تحالفات تاريخية أو تداخلات بين الفروع المختلفة للقبائل العربية في المنطقة، مما يبرز تعقيد وتنوع الأصول القبلية.

التوزيع الجغرافي ونمط العيش

يتواجد أغلب أفراد قبيلة المغاورة في مصر. تتركز مواطنهم بشكل خاص في محافظة مطروح، وتحديداً في منطقة فوكة ومركز مدينة الحمام، كما يتواجد جزء منهم في مدينة مرسى مطروح نفسها، ومنهم عائلة العبيدي التي تعيش في مرسى مطروح. كما يعيش بعض أفراد القبيلة في الأطراف الغربية من محافظة الإسكندرية، ولهم امتدادات في وادي النيل والدلتا، مما يدل على انتشارهم الواسع داخل الأراضي المصرية.

تُعرف قبيلة المغاورة بطابعها البدوي الرعوي، حيث اعتادوا التنقل والترحال في الصحاري بحثاً عن موارد المياه والمراعي الواسعة. يعتمد نمط عيشهم على تربية الإبل، وغالباً ما تكون خيامهم بجوار الآبار في الصحراء، مما يعكس ارتباطهم الوثيق بالبيئة الصحراوية وتكيفهم معها.

الدور التاريخي والاجتماعي

كجزء من قبائل أولاد علي، لعبت المغاورة دوراً محورياً في تاريخ مصر الحديث. فقد شارك فرسان قبائل أولاد علي في التصدي للحملة الفرنسية على مصر عام 1798 بقيادة نابليون بونابرت، مما يبرز شجاعتهم ودورهم الدفاعي عن البلاد. كما شاركوا في قتال الإنجليز في معركة وادي ماجد الشهيرة بمرسى مطروح في أوائل القرن الماضي، حيث عُرفوا بشجاعتهم وكرمهم، وأُطلق عليهم لقب “حراس بوابة مصر الغربية” نظراً لدورهم في حماية الحدود الغربية لمصر.

للقبيلة تواجد وتأثير كبير في الحياة السياسية المصرية، حيث كان منهم العديد من نواب مجلسي الشعب والشورى، ومئات من عُمد ومشايخ البلدان، مما يعكس نفوذهم الاجتماعي والسياسي على المستويين المحلي والوطني. وتُذكر جهود أبناء القبيلة في صلح قبلي بفوكة، مما يدل على دورهم في حل النزاعات وتعزيز التماسك الاجتماعي.

البطون والفروع

تُعد المغاورة إحدى عشائر قبائل الصناقرة، وهي إحدى الأقسام الرئيسية لقبائل أولاد علي. يعود نسب الصناقرة إلى جدهم صقر، الذي تولى الزعامة بعد هندي. وتضم الصناقرة، بالإضافة إلى المغاورة، عشائر أخرى عديدة منها: الأفراد، العزايم، العجارمة، الموامنة، الزعيرات، هارون، الجاهل، جفيلة، أبو داود، العجوز، شرفاد، طاهر، مريق، أبو قليلة، دودان، وعليوة.

العادات والتقاليد

تتمسك قبيلة المغاورة، كغيرها من القبائل البدوية الأصيلة في مصر، بمجموعة من العادات والتقاليد المتوارثة التي تُشكل نسيج حياتهم الاجتماعية والثقافية. من أبرز هذه العادات:

إكرام الضيف: يُعرف أفراد القبيلة بالكرم الشديد، ويتنافسون في تقديم واجب الضيافة للجميع، سواء في الأفراح أو الاحتفالات والأعياد والجلسات العرفية، وخاصة مع الضيوف الغرباء عن مجتمعهم.
القضاء العرفي: تعتمد القبيلة على قوانين عرفية خاصة بها للفصل في النزاعات بين الأفراد والقبائل. يتولى قضاة متخصصون الفصل في القضايا المختلفة؛ فقضاة “منقع الدم” يفصلون في قضايا القتل والقصاص، وقضاة “العقبى” في قضايا حقوق النساء، وقضاة “الأحمدي” في قضايا الاعتداء على البيوت، وقضاة “الزيادي” في المسائل التي تحدث داخل الجلسة العرفية، وتكون أحكامهم ملزمة للجميع.

حفظ الأنساب: يفتخر أفراد القبيلة بأنسابهم ويحرصون على حفظها وتوثيقها، حيث يردونها إلى الآباء الأولين. تتدرج الأنساب من العائلة (الأب والأبناء والزوجة والإخوة)، ثم الفصيلة (عدة عائلات)، ثم البطون، وبعدها العمارة، ومنها تتألف القبيلة، ومن القبائل تتألف الشُعب.
العَطوة أو الهدنة: في حال اشتداد النزاعات بين القبائل واستمرارها لفترة طويلة، يمكن لأحد الأطراف طلب “العَطوة” أو الهدنة، والتي قد تتراوح مدتها بين ثلاثة أسابيع وشهرين، وأحياناً تصل إلى سنة.
الأخوة أو الطلوع: تُعد هذه العادة من التقاليد الهامة، وهي عبارة عن انضمام قبيلة ضعفت بسبب الحرب أو النزاع إلى قبيلة أخرى لتقوية أزرها وكيانها.

التبييض والتسويد: يُشير “التبييض” في قبائل سيناء (وهي عادات مشابهة) إلى رفع الراية البيضاء على بئر ماء معروف أو بالقرب منه كرمز للشرف، بينما “التسويد” هو رفع راية سوداء على درب شخص ارتكب عملاً قبيحاً أو جرماً.
رمي الوجه: عندما يستنجد رجل بشيخ من الشيوخ الوجهاء داخل القبيلة لمنع خطر أو خصومة بين شخصين أو قبيلتين، فإذا هب فريقان للقتال وقال أحدهما للحضور “رميت وجهي” أو “وجه فلان”، يتوقف الفريقان عن القتال فوراً. وفي حال عدم الامتثال، يذهب صاحب الوجه إلى القاضي ليتخذ الإجراءات اللازمة.

شخصيات بارزة

على الرغم من الدور التاريخي والاجتماعي البارز لقبيلة المغاورة في مصر، ومشاركتهم في الحياة السياسية من خلال نواب وعمد ومشايخ، إلا أن المصادر المتاحة لا تفصل في أسماء شخصيات تاريخية بارزة محددة تنتمي مباشرة إلى قبيلة المغاورة على غرار شخصيات من قبائل أخرى. ومع ذلك، فإن وجودهم القوي في مجالس الشعب والشورى، ومناصب العمد والمشايخ، يؤكد على نفوذهم وتأثيرهم المستمر في مجتمعاتهم المحلية وعلى الساحة الوطنية.

الخاتمة

تُظهر قبيلة المغاورة نموذجاً للقبائل العربية الأصيلة في مصر، ذات الأصول العريقة والامتداد الجغرافي الواسع. من خلال ارتباطها بقبائل أولاد علي وبني سليم، ودورها في الأحداث التاريخية الهامة كمقاومة الحملة الفرنسية والإنجليز، بالإضافة إلى نمط عيشها البدوي الرعوي وعاداتها وتقاليدها المتجذرة، تُشكل المغاورة جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والتاريخي للمجتمع المصري. إن استمرار وجودهم وتأثيرهم يعكس قدرتهم على التكيف والحفاظ على هويتهم الثقافية عبر العصور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى