إسلاميات

تفسير سورة الملك التفسير الميسر

تفسير سورة الملك

سورة الملك من السور المكية والتي تبلغ عدد آياتها ثلاثين آية، وفي هذه السورة يعدد الله سبحانه وتعالى نعمه على الناس، وفيها خطاب شديد لهؤلاء الكفرة المشركين الذين أشركوا بنعم الله سبحانه رغم ما أعطاهم من السمع والأبصار والأفئدة، ورغم ما يرون في هذه الأرض من استقرار لهم ولمعايشهم، وما يجدون من أقواتهم وأرزاقهم التي يسرها الله تعالى لهم، وهم مع ذلك في عناد واستكبار عن الإيمان بالله سبحانه وعن الانقياد لرسوله صلى الله عليه وسلم.

ونحن في هذا الموضوع تفسير سورة الملك التفسير الميسر، سنتعرض إلى بعض أوجه الشرح الميسر البسيط لهذه الآيات الكريمة، ونسأل الله تعالى أن ينفع بذلك جموع المسلمين ومن يقرأ هذا المقال بإذنه تعالى ومنِّه وكرمه سبحانه وتعالى.

تفسير سورة الملك :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

أي تكاثر خير ربنا سبحانه وتعالى وبره بكل خلقه، فهو سبحانه بيده مقاليد الدنيا والآخرة وهو سلطان الكون عز وجل، وأمره وقضاؤه نافذان، وهو قادر على كل شيء، وفي الآية دليل على ثبوت صفة اليد لرب العالمين سبحانه على الوجه اللائق بجلاله وكماله وعظمته دون تشبيه أو تحريف ودون تعطيل أو تكييف.

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)

فالله رب العالمين هو من خلق الموت والحياة؛ ليختبر الناس أيهم أفضل عملًا وأخلص فعلًا، وهو العزيز سبحانه وتعالى فلا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، وهو الغفار لمن تاب، وفي تلك الآية حث على فعل الطاعة ونهي عن فعل المعاصي.

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)

فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق السموات بذلك التناسق العجيب، فهل ترى أيها الناظر في خلق الله من تباين أو اختلاف؟ فأعد وكرِّر النظر إلى السماء، فهل ترى فيها من صدوع؟

ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)

ثم كرر النظر مرة بعد أخرى، يرجع إليك هذا البصر صاغرًا ذليلًا عن رؤية النقص، وهو كليل متعب.

وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)

هذه السماء التي تراها العيون مزينة بنجوم كبيرة ضخمة مضيئة، وهي جُعلت شهبًا تحرق مسترقي السمع من أولئك الشياطين، ولهم في الآخرة عذاب النار يقاسون سعيرها.

وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)

وهؤلاء الكافرون بربهم سبحانه وتعالى لهم عذاب النار.

إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7)

إذا تم طراح هؤلاء الكفرة في النار سمعوا لها صوتًا منكرًا، وهي تزيد في غليانها بشدة.

تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)

تكاد هذه النار تتمزق من شدة الغضب على هؤلاء الكفرة، فكلما طُرح فيها جماعة من الكفرة، سألهم الموكلون بأمر النار على سبيل توبيخهم: ألم يأتكم في الحياة الدنيا رسول يحذركم هذا العذاب الذي أنتم ملاقوه الآن؟

قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9)

فكان جواب هؤلاء الكفار: بلى، قد جاءنا رسول من عند ربنا؛ وحذرنا من أفعالنا وإقامتنا على الكفر؛ فكذبناه وكذبنا بالآيات وقلنا: ما نزَّل الله من شيء.

وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)

وفي النهاية اعترفوا قائلين: لو كنا نسمع طلبًا للحق أو نفكر فيما تدعونا إليه رسل ربنا؛ ما كنا الآن من أهل هذه النار.

فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)

فقد اعترفوا بالكفر والتكذيب الذي استحقوا عليه عذاب جهنم، فبعدًا لهؤلاء الكفرة الذين ظلموا أنفسهم بتنكبهم سَنن الحق وطريق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)

إن هؤلاء الذين يخشون الله سبحانه وتعالى فيعبدونه حق عبادته ولا يعصونه وهم في غيب عن أعين البشر، ويخافون عذاب الآخرة قبل أن يروه، هؤلاء لهم مغفرة وعفو من الله سبحانه وثواب كبير عند الله يجازيهم به في الآخرة، وهو أن يدخلهم رب العالمين جنته.

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)

أيها الناس إن أخفيتم قولكم في أي أمر من أموركم أو أعلنتموه، فسواء هما عند رب العالمين سبحانه، فهؤلاء يعلم ما تخفي الصدور، فكيف يخفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم؟!

أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)

ألا يعلم الله سبحانه وتعالى شؤون خلقه وأمورهم، وهو الذي خلقهم وأحسن خلقهم؟ وهو سبحانه اللطيف بهم الخبير بأعمالهم.

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)

الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي جعل الأرض سهلة ممهدة للحياة يستقر عليها الناس ويعيشون فيها، ويمشون في جهاتها ونواحيها، ويأكلون من رزق الرحمن الذي يخرجه لهم من الأرض، وإليه سبحانه وحده البعث من القبور لحساب الناس وجزائهم على أعمالهم، وفي هذه الآية إيماء إلى طلب الرزق، وتدل على أن الله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد الحق لا شريك له، وتدل الآية كذلك على تمام القدرة الإلهية وعظيم نعمته على البشر والتحذير الشديد من الركون إلى الدنيا.

أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)

فهل أمنتم أيها الكفار – كفار مكة – رب العالمين سبحانه الذي هو فوق السماء أن يخسف بكم هذه الأرض، فإذا بالأرض تضطرب بكم فتهلكون؟ هل أمنتم رب العالمين أن يرسل عليكم ريحًا ترجمكم، فستعلمون أيها الكفار عظم هذا التحذير إذا أنتم رأيتم وعاينتم العذاب، ولن ينفعكم العلم حين ترون عذاب الله، وفي هذه الآية إثبات لصفة العلو لله سبحانه وتعالى، على الوجه الذي يليق به سبحانه وتعالى دون تكييف أو تشبيه أو تحريف أو تعطيل.

وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)

كذَّب هؤلاء الذين كانوا قبل كفار مكة مثل قوم نوح وعاد وثمود، كذَّبوا رسلهم، فكيف كان إنكاري على هؤلاء المكذبين وتغييري ما كانوا عليه من نعم بإنزال العذاب الأليم بهم وإهلاكهم؟

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)

هل غفل هؤلاء الكفار ولم ينظروا إلى الطيور فوقهم تبسط أجنحتها عند الطيران، ويضممنها إلى الجنوب أحيانًا؟ لا يحفظها من الوقوع إلا رب العالمين سبحانه وتعالى، فإنه بكل شيء بصير، فلا يوجد في خلقه نقص ولا تفاوت، بل مَنْ هذا الذي هو في ادعائكم – أيها الكفرة – حزب لكم يستطيع نصرتكم من دون الرحمن إن أراد بكم سوءًا؟ فما هؤلاء الكفرة في هذا الادعاء إلا في إضلال من الشيطان ومخادعة منه لهم، بل مَنْ هذا الذي يقدر على أن يرزقكم إن أمسك رب العالمين سبحانه رزقه عنكم ومنعكم إياه؟! بل استمر هؤلاء الكفرة في الطغيان والضلال والمعاندة والاستكبار والنفور عن الحق، فلا يسمعون له ولا يتبعونه.

أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)

أفمن يمشي منكسًا على وجهه لا دراية له أين يسلك ولا أين يذهب، أشد استقامة على طريقه وأهدى سبيلًا، أم من يمشي مستويًا قامته منتصبة سالمًا على الطريق الواضحة التي لا اعوجاج فيها؟ وهذا مثل ضربه رب العالمين سبحانه للكافر والمؤمن.

قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)

قل لهم أيها الرسول: إن الله هو الذي خلقكم بعد أن كنتم عدمًا، وجعل لكم سمعًا لتسمعوا به، وأبصارًا لتبصروا بها، وقلوبًا لتعقلوا بها، وقليلًا أيها الكفرة ما تؤدون شكر تلك النعم التي أنعم الله عليكم بها، قل لهم أيها الرسول: إن الله هو الذي خلقكم ونشركم في هذه الأرض، وإليه سبحانه وحده تُجْمَعون بعد ذلك التفرق لكي تحاسبوا الحساب الأوفى وتنالوا الجزاء المستحق.

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)

يقول الكفرة: متى يتحقق هذا الوعد بالحشر؟ أنبئونا بزمانه أيها المؤمنون إن كنتم تصدقون فيما تدَّعون، قل أيها الرسول لهؤلاء الكفرة: إن العلم بوقت الساعة مما اختص الله تعالى به، وإنما أنا نذير لكم أحذركم عاقبة هذا الكفر الذي أنتم عليه، وأوضح لكم ما أمرني به رب العالمين سبحانه ببيانه غاية البيان.

فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)

فلما رأى الكفرة عذاب الله تعالى يقترب منهم؛ ظهرت عليهم الذلة وغشيت الكآبة وجوههم، وقيل على سبيل التوبيخ لهم: هذا الذي كنتم تطلبون تعجيله في الحياة الدنيا.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)

قل أيها الرسول لهؤلاء الكفرة: أنبئوني إن أماتني الله ومَنْ معي من جماعة المؤمنين كما تتمنون، أو رحمنا الله فأخَّر آجالنا وعافانا من العذاب، فمَنْ هذا الذي يقدر على حمايتكم ومنعكم من عذاب الله الأليم الموجع؟

قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29)

قل: إن الله هو الرحمن؛ صدَّقنا به سبحانه وعملنا بما شرعه وأطعناه، وعليه سبحانه وحده كل اعتمادنا في جميع أمورنا، فستعلمون أيها الكفرة إذا نزل العذاب: أي الفريقين نحن أم أنتم في بُعد واضح عن صراط رب العالمين المستقيم؟

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)

قل أيها الرسول لهؤلاء الكفرة: أنبئوني إن صار هذا الماء الذي تشربون منه ذاهبًا في الأرض فلا تصلون إليه بأية وسيلة، فمن غير الله سبحانه يجيئكم بماء جارٍ على وجه هذه الأرض ظاهر للعيون؟

القرآن الكريم
القرآن الكريم
صور لسورة الملك
صور لسورة الملك
تفسير سورة من سور القرآن
تفسير سورة من سور القرآن
من التفاسير
من التفاسير
الملك لله
الملك لله

كان هذا ختام موضوعنا حول تفسير سورة الملك التفسير الميسر، قدمنا خلال هذه المقالة بعض الشرح البسيط لهذه الآيات الكريمة من سورة الملك، هذه السورة التي نعت على الكافرين إعراضهم عن الله سبحانه وتعالى وهو الذي يرزقهم ويمهد لهم الأرض، ويمسك السماء أن تقع عليهم، سبحانه له القدرة العظيمة والمنة الكبرى على عباده، وكذلك في هذه الآيات إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به، وكذلك إثبات لصفة العلو وأن الله تعالى في السماء أي في العلو، على الوجه اللائق بجلاله سبحانه، دون تشبيه أو تعطيل أو تحريف أو تكييف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى