أقوال وحكم

أمثال شعبية عن الصداقة الحقيقية الوفية

أمثال شعبية عن الصداقة

الصداقة عنصر جميل من أهم مقومات الحياة، فلا حياة للإنسان بلا صداقات تتآلف فيها الآراء وتجتمع فيها الأقوال، وعلى قول بشار بن برد: لا خير في الدنيا بعد الأصدقاء، وهي حقيقة من الحقائق الكبرى في هذا العالم، ولا يستطيع الإنسان أن يستغني عن المعين الذي يعينه على الطريق، فالصداقات القوية من أهم أسباب النجاح في المجتمع، والصديق كما يقال عند الضيق، تحتاجه وقت الحاجة فتجده يرفع عنك الضيق والأذى والكرب ويهون عليك صعوبة الحياة وغربتها، الصداقة معنًى جميل لا يفقهه إلا أصحاب الصدق والإخلاص من الناس، الذين يقدرون لهذه الأمور قدرها.

المثل الأول: الصاحب ساحب

فلا أحد لا يتأثر بمصاحبة الناس، فالصاحب يسحب الإنسان نحو الخير أو الشر، إن كان صاحب خير فيسحبه نحو الخير وإن كان صاحب شر فيسحبه نحو الشر، قال ابن الجوزي: ما رأيت أكثر أذًى للمؤمنين من مخالطة من يصلح، فإن الطبع يسرق فلِمَ يتشبه بهم، ولم يسرق منهم فتَر عن عمله.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

حتى الذين يسحبون الدواب يتأثرون منها، فالذي يركب الخيل يتأثر بما عند الخيل من إعجاب بالنفس وخيلاء وكبر، والذين يربون الشياه تجدهم ساكنين؛ لأن السكون من عادة الشاه.

طلب موسى من الله أن يفرق بينه وبين القوم الفاسقين الذين ضعف إيمانهم، وقلَّ يقينُهم بنصر ربهم وعصوا الرسول: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾. وقد اعتزل إبراهيم قومه وقال لهم: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي ﴾.

وقال أيضًا: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ فأكرمه الله وكافأه أحسن مكافأة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴾، فمن ترك أهل الشر بغية الثواب من الله يثيبه الله جزاء نيته.

وأمر العالم الرباني هذا الرجل قاتل المئة نفس بأن يترك قريته التي كان يعيش فيها؛ لأن أهلها وأصحابها أهل سوء، تركوه ولم يأخذوا على يديه؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصاحبة الصالحين والاقتراب منهم:

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾.

 

المثل الثاني: الصديق عند الضيق

فالصديق دائمًا يكون في عون أخيه عند ضيقه وكربته وشدته، فلا يتخلى عنه أبدًا، وإلا ما كان هناك معنى لهذا المعنى الإنساني الجميل، فوقت أن تضيق الحياة بالإنسان يلجأ إلى أصدقائه ويجد لديهم العون وتمتد له منهم يد المساعدة.

المثل الثالث: اختر الرفيق قبل الطريق

فاختيار الرفيق هو أولى أولويات الإنسان، إنّ صديقك يُعبِّر عن شخصيّتك، فعندما يعرف الناس شخصية صديقك يعرفوك ، وعندما يعرفونك يعرفون شخصية صديقك .. والحكمة تقول : صديق المرأ شريكه في عقله .. فالإنسان يألف الناس الذين يماثلونه ويتقاربون معه في الأخلاق والسلوك والأفكار ..لذلك جاء في الحديث النبوي الشريف :«المرأ على دين خليله ، فلينظر أحدكم مَنْ يُخالِل»

فالصّداقة هي التقاء نفسي وفكري يربط بين الأشخاص ، ويوحِّد المشاعر والعواطف بينهم ..والقرآن يوضِّح أنّ الاُخوة والعلاقات الأخوية التي تكون بين الأشخاص على أساس الهدى والصّلاح هي ألفة ومحبّة بين القلوب ، وترابط بين المشاعر والنفوس ، واعتبر هذه الاُخوّة والمحبّة ، نعمة كبيرة على الانسان ..

قال تعالى موضِّحاً هذه العلاقة :(واذكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم إذْ كُنْتُم أعْداءً فألّف بَينَ قُلُوبِكُم فأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخواناً ).وقال تعالى :(لَوْ أنْفَقْتَ ما في الأرْضِ جَميعاً ما أ لّفتَ بينَ قُلوبِهِم ولكنّ الله أ لّفَ بَيْنهم ).

وهذا التحلـيل النفسي لعلاقة الاُخوّة والمحبّة التي تنشأ بين الأشخاص ، على أساس الإيمان والإرتباط السّليم، هي اُخوّة صادقة ونزيهة، لايشوبها الغشّ أو المطامع.. والتجربة الاجتماعية والإحصاءات التي تسجِّلها دوائر إحصاء الجريمة توضِّح لنا أنّ أصدقاء السّوء ليسوا أصدقاء، بل أعداء.. فكم جرّت الصّداقات السيِّئة من كوارث ومآسي ، وسمعة سيِّئة على الأشـخاص الذين كانوا أبرياء ، ولكنّهم تلوّثوا بمخالطتهم لأصدقاء السّوء .. وأصبحوا مجرمين ، أو شملتهم الجريمة ، وسوء السمعة لعلاقتهم بأصدقاء السّوء .. ويحذِّرنا القرآن من أصدقاء السّوء ، لينقذنا من النّدم بعد فوات الأوان .قال تعالى :(الأخلّاءُ يَومَئِذ بَعْضُهُم لِبَعْض عَدُوّ إلّا المتّقين ).

وعرض أمامنا قول الصّاحب النادم على صحبته ، درساً وموعظة لنا .. عرض هذا المشهد من تحوّل الصّحبة إلى عداوة وكراهية ، وتمنِّي البُعْد عن قرين السّوء ، بعد أن كان يبتغي القرابة والعيش معه ..(قالَ يا لَيْتَ بيني وبينكَ بُعد المشرقين فبِئْسَ القَرين ).

وإذاً فاختيار الصّديق هو في حقيقته اختيار لنوع شخصيّتنا وسمعتنا في المجتمع، وربّما لمصيرنا في المستقبل.. فكم من اناس أصبحوا صالحين وناجحين في حياتهم بسب أصدقائهم ، وكم من أناس خسروا حياتهم، وتحمّلوا الأذى والمشاكل المعقّدة بسبب أصدقائهم ..إنّ من الخطأ أن نكوِّن علاقات مع أشخاص لا نعرف طبيعتهم ، وسلوكهم .. فقد نُخدَع بمظاهرهم الشكلية ، وبأقوالهم المزخرفة ، أو بهداياهم ومساعداتهم الخدّاعة ، ثمّ نقع في الشراك ، فيتعـذّر علينا الافلات منها.

إنّ الشخص الذي نتّخذه صـديقاً وأخاً لنا في الحياة ، يجب أن نختاره بعناية كبيرة ، وبعد المعرفة لشخصيّته ، من خلال علاقات الدراسة في المدرسة ، أو في المسجد ، أو عيشه معنا في المنطقة السكنية ، أو في العمل ، وربّما نصادف أشخاصاً في السّفر ، واُناساً يعرِّفون أنفسهم بالمراسلة فتتكوّن بيننا وبينهم علاقات صداقة وروابط .. وهذا اللّون من العلاقات يجب أن نتأكّد منه ، ونتعرّف عليه بشكل جيِّد .. فإنّ مثل هؤلاء الأشخاص غير واضحين لدينا في بداية العلاقة والتعارف ..

هذه كانت بعض الأمثال الواردة عن الصداقة أوردتها لكي يعرف القارئ أهمية هذه العقدة القوية التي فطر الله الناس عليها وهي حب التآلف والصداقة، وكيف أن هذه الصداقة متى كانت قوية ومتينة لا تستطيع قوة على الأرض أن تهزها أبدًا، الصداقة عنصر قوي من عناصر قوة الإنسان وسعادته، والإنسان قليل بنفسه كثير بإخوانه كما يقال، فأنت بنفسك فقط تجد نفسك قليلًا لا حيلة لك، بينما الصداقة تجعلك أقوى بكثير مما أنت عليه وحدك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى